تاريخ : 9/29/2015 12:00:00 AM
معرف المحتوى: 543
حوار مع وسام الخطاوي

حوار مع وسام الخطاوي

وسام الخطّاوي من مواليد العراق، حيث ولد في عام ۱۹۶۶ في اسرة متديّنة. في بداية انتصار الثورة الإسلامية المباركة هاجر إلى ايران. وانشغل منذ ذلك الوقت بالدراسة والتحقيق في الحوزة العلمية في قم. فدرس على يد أساتذة نذكر منهم: آية الله جوادي الآملي، وآية الله حسن زاده الآملي، وآية الله مصباح اليزدي، وآية الله سيد كاظم الحائري. كتب عدّة بحوث حول الشريف المرتضى علم الهدى وحياته ومؤلفاته. وها ما دفعنا إلى اجراء هذا اللقاء معه، وكانت النتيجة الحوار التالي:

* نرجو أن تبيّنوا لنا جوانب من شخصية الشريف المرتضى.

كان الشريف المرتضى شخصية جامعة. ابتداءً كُتبت مواضيع كثيرة في هذا المجال. وقد كتبت مجلّداً من خمسمائة صفحة حول حياة الشريف المرتضى ومؤلفاته وعصره بايعاز من مؤسسة تراث الشيعة، ضمن اطار اعلام الشيعة. وقد نشره السيد رضا مختاري (جزاه الله خير الجزاء) في أحد مجلّدات اطروحة أعلام الشيعة.

هناك عدّة ملاحظات حول شخصية الشريف المرتضى نذكر منها أنّه كان رجلاً مترفاً ومن اسرة ذات مكنة ومكانة. فقد كان أبوه وزيراً وامّه بنت زعيم الديلم.

كان اخوه الشريف الرضي شاعراً وشخصية مرموقة، وأبوهما سيد احمد كان احد كبار وزراء، وامهما فاطمة بنت الناصر بالله زعيم الديلم.

كانت هذه الاسرة تقوم بكثير من الأعمال الخيرية، حتى أن الشريف المرتضى وقف قرية من قراه تصرف مواردها على قراطيس الفقهاء. كما أن خزانته ضمت ثمانين ألف مجلد من مصنفاته و محفوظاته و مقروءاته، على ما حصره و أحصاه صديقه القاضي أبوالقاسم التنوخي. وهذه کلها بخطوط العلماء.

وهذا في غاية الأهمية. كان لديه كتاب التهذيب للشيخ بخط يده. فأمثال هذه الامور كانت تخلق لديه ثقة بالنفس، بحيث أنّه لم يكن يتقبل أي كلام كان. فما هو شاهد الحال؟ لو نظرنا الآن إلى كتاب الناصريات أو إلى كتاب الانتصار نراه يقول: >مما لاشك فيه كذا وكذا< ثم يطرح رأيه ويقول بعد ذلك >هذا ما وافقت الشيخ عليه<، ويأتي بما لديه من دليل.

كانت للشريف المرتضى مكانة عند سيف الدولة الحمداني؛ فهو كان من وجهاء الملّة ومن كبار السادات الطالبيين. وكتاباته عويصة إلى حدًّ ما ولا تُفهم إلا بصعوبة. واما كتابات الشيخ الطوسي أو الشيخ المفيد سلسلة ومفهومة بينما مباحث الشريف المرتضى صعبة.

الملاحظة الاخرى التي تبدو مهمة هي أن جميع كتب الشيخ الطوسي ـ الذي كان زعيماًللحوزة العلمية في النجف ـ جاءت على أساس کتب الشريف المرتضى. وهذه قضية مهمة طبعاً. كتاب الذريعةللمرتضى يوجد في مقابله كتاب العُدّةللشيخ الطوسي. وكتاب الانتصار و الناصرياتللشريف المرتضى يأتي في مقابله كتابا المصباح و المختلفللشيخ الطوسي. ولكن المصباح و مسائل الخلافضاعا. وأنا بصفتي محققاً في هذا المجال اعتقد أن كتاب المصباحيقع في مقابل المبسوطتماماً. وأما كتاب مسائل الخلاف، فيقع في مقابل کتاب الخلافللشيخ.وكان المرتضى قد كتب الشافيفي أربعة مجلّدات ولخّصه الشيخ أيضاً.لا يوجد في مؤلفات المرتضى شيء حول الفلسفة، والشيخ أيضاً لم تكن لديه ميول نحو الفلسفة. وقد نقل الشيخ في کتاب التبيانالكثير من الآراء التي وردت في کتاب الأمالي. 

* هل لكم أن تحدّثونا حول كتب ومؤلفات الشريف المرتضى وعددها، وكم عدد ما عثر منها؟ وما عدد ما لم يُعثر عليه؟ وكذلك رسائله وأعماله التي فقدت ولم تصل إلينا، أو الأعمال الاخرى المنسوبة إليه.

ترك الشريف ۲۲ كتاباً. وقد سردت بالتفصيل في تفسير الشريف المرتضى ما طبع من كتبه، وهي كالآتي: الشافي، مطبوع في أربعة مجلّدات وهو أفضل كتاب في علم الكلام. ولولا هذا الكتاب لما فهم احد كتاب المغني للقاضي عبد الجبار. فقد طلب الصاحب بن عباد من القاضي عبد الجبار المعتزلي ليكتب كتاباً، فكتب القاضي عبد الجبار كتاب المغني في أبواب التوحيد والعدل. خصص القاضي عبد الجبار المجلدين الأخيرين للإمامة؛ وخصص أحد هذين المجلدين للردّ على الآيات التي يستدل بها الشيعة على الإمامة، بينما خصص المجلّد الثاني لردّ الأحاديث التي يستشهد بها الشيعة على هذا الموضوع. ولكن من الذي يستطيع فهم هذا الكتاب؟ فاسلوب القاضي عبد الجبار في الكتابة في غاية الصعوبة، ولا اظن احداً من علماء الإسلام ومن علماء الكلام له مثل هذا الاسلوب الصعب. بلغ تفسير هذا الكتاب ستة عشر مجلداً وكلّها صعبة على الفهم. ورغم كل ذلك فقد ردّ عليه الشريف المرتضى بكتاب الشافي.

کتاب الانتصار، جيّد. وكذلك کتاب الناصريات - وهو شرح لکتاب جدّه الناصر بالله الزيدي. في هذا الکتاب، يشير الشريف المرتضى الى الامور التي كان يخالف فيها جدّه. وجدّ الشريف المرتضى له کتاب آخر عنوانه الإبانة، وهو كتاب جيّد أيضاً، وطُبع من قبل مجلس الشورى الإسلامي.

وأما رسائله أيضاً فقد حققها في أربعة أجزاء الاستاذ العزيز سماحة آية الله الاشکوري، أدام الله أيامه بالخير و العافية.

کتاب الذخيرة و الملخّصمترابطان مع بعضهما وينبغي النظر اليهما الى جانب بعضهما.

 کتاب شرح جُمل العلم و العملجيّد أيضاً. کتاب الموضح عن جهة إعجاز القرآن (الصرفة)، مفقود لمدّة ثمانمائة سنة. عقيدة الشريف المرتضى في هذا الکتاب هي أن «الله، صَرَف العرب عن تحدي القرآن»، بمعنى أن العرب كانوا قادرين على الإتيان بما يضاهي القرآن، ولكن الله صرفهم عن ذلك. ولكن هذا الكلام لا يقرّ به علماءالإسلام. فها هو استاذنا العزيز سماحة الشيخ جوادي الآملي يقول حول موضوع الصرفة في القرآنمايلي: من ينظر الى معاني القرآن لعلّه يستطيع أن يفعل شيئاً من حيث اللفظ، ولكنّه لا يستطيع الإتيان بمثيل له من حيث المعنى.الشريف المرتضى نفسه جاء في كتابه هذا بنصوص العرب مثل الموصلي وغيره مبيّناً أنهم كانوا يستطيعون الإتيان بمثيل للقرآن لو لم يصرفهم الله عن ذلك.وقد بيّن الشيخ جوادي الآملي إنك اذا نظرت الى الألفاظ، نعم يمكن ذلك. ولكن عليك أن لا تنظر الى الألفاظ.وهذا موضوع يدور حوله جدل واسع بين كبار العلماء.

هناك كتابان مفقودان للشريف المرتضى، وهما كتابان مهمّان جداً. أحدهما كتاب المصباح ويبدو أنّه مماثل لكتاب المبسوط للشيخ الطوسي. والآخر هو كتاب مسائل الخلاف وهو كتاب مناظر لكتاب الخلاف للشيخ الطوسي.

وعلى هذا الأساس هناك عشرون كتاباً موجوداً للشريف المرتضى من مجموع تراث الشريف المرتضى.

* قدم لنا توضيحات عن المؤلفات التي كتبتها حول الشريف المرتضى علم الهدى وتراثه.

قدّمت إلى الآن أربعة أعمال في هذا المجال. كتاب تفسير من عشرة مجلّدات سردنا فيه وفقاً لترتيب سور القرآن الكريم جميع الآيات التي وردت في الكتب المطبوعة للشريف المرتضى. وقد طُبعت منه ثلاثة مجلّدات، والسبعة الاخرى في طريقها إلى الطباعة. وتعاون معي على انجاز هذا العمل كل من آية الله مرتضى الاصفهاني، والسيد علي الربيعي، والسيد شاكر الاحمدي، وبذلوا جهوداً كبيرة. وليس لدينا مثل هذا الكتاب بعد التبيان. طبعاً فيه عشر سور ناقصة، وهناك عدد من الآيات غير مفسّرة، ولكن بعض الآيات مثل الآية الشريفة {أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ} فُسّرت في مائة وعشرين صفحة.

العمل الآخر الذي قمت به هو تأليف كتاب تحت عنوان المناهج الروائية عند الشريف المرتضى. فالشريف المرتضى كان له منهجه الخاص في التعاطي مع الأحاديث. والعمل الذي قمت به في هذا الكتاب هو انني أخذت كل حديث شرحه في كتبه، ووضعته في ما يتناسب مع من أبواب اصول الدين: التوحيد، النبوّة، الإمامة، العدل، المعاد. ونظّمت جميع الأحاديث على هذا المنوال، فاستغرق ذلك ألف صفحة تقريباً وجرى تنظيم ذلك في مجلّدين ولكنه لم يُطبع حتى الآن. واعتذرت مؤسسة دار الحديث عن طباعة الكتاب بحجمه الحالي، فأعدت العمل عليه ولخّصته في ما يترواح بين ثلاثمائة إلى أربعمئة صفحة وطُبع من قِبَل مؤسسة دار الحديث.

وكتبت كتاباً آخر حول حياة الشريف المرتضى وتراثه وعصره. أود الإشارة إلى أنّ الشيخ رضا مختاري وضع مشروعاً للتعريف بتراث الشيعة وشخصيات علماء الشيعة. وبما انني كنت قد كتبت حول شخصية الشريف المرتضى، فقد أوعز إليَّ بالكتابة حوله أيضاً. فتقصّيت جميع تراث الشريف المرتضى وكل ما كتب عن حياته وأحوال عصره. ودوّنت كل ذلك فأصبح كتاباً كاملاً تقريباً.

* بمناسبة مرور ألف سنة على وفاة الشريف المرتضى، تزمع مؤسسة دار الحديث اقامة مؤتمر لتكريمه في المستقبل القريب، في رأيكم على أي مستوى ينبغي أن يُعقد هذا المؤتمر، وما الذي ينتظر منه؟

هذا المؤتمر ينبغي أن يشارك فيه جميع العلماء، الفقهاء، والمكلمون، والفلاسفة، واللغويون الشيعة، بل وحتى أهل السنّة. وينبغي أيضاً تكريم وتقدير حتى اولئك الأفراد من اليهود والمسيح الذين كتبوا حول الشريف المرتضى. وهذا العمل يعد في الواقع احياء للدين. واما بالنسبة إلى الفائدة من عقد هذه المؤتمرات وخاصة المؤتمر الذي سيعقد لتخليد الشريف المرتضى، فهذا أمر بيّن. فكتبه ينبغي أن تُحقق على أفضل وجه وتُطبع؛ فهذا الرجل من كبار أعلام المذهب الشيعي. أود الإشارة إلى أن آراء الشريف المرتضى لم توظف إلى الآن كما ينبغي في المجالات الاستدلالية عندنا كالفقه والاصول والكلام، واكثر ما يُعزى سبب ذلك إلى صعوبة كتبه وما وقع فيها من اخطاء اثناء عملية تحقيقها. نذكر من ذلك على سبيل المثال انك اذا اردت البحث حول موضوع الشفاعة تجد أنّ الشريف المرتضى لديه ما يقارب أربعين صفحة حول الشفاعة مدعومة بالادلة والبراهين. ومن هنا يمكن أن يكون أحد البحوث التي تقدّم إلى المؤتمر بحث حول الشفاعة من وجهة نظر الشريف المرتضى، أو اسلوب الاستدراج في منهج الفقه الاستدلالي. من المعروف أنّه من الصعب التوصل إلى استدلالات أهل السنّة في الفقه، ورغم ذلك نلاحظ أنّ الشريف المرتضى استقصى قبل ألف سنة كتب الشافعي واحمد بن حنبل وبيّن ما بينها من المشتركات. وهذا الموضوع بحد ذاته يمكن اتخاذه كمحور لبحث من بحوث المؤتمر. وهكذا الحال في حقلي الكلام والاصول. وهذا من الامور المهمة.

العمل الآخر الذي ينبغي انجازه هو اجراء دراسة مقارنة بين مؤلفات الشريف المرتضى والشيخ الطوسي لملاحظة مدى تأثّره به، وكذلك من أجل التعرّف على مدى تأثير الشريف المرتضى في الحركة العلمية، وبالذات في الفقه والاصول والمنطق، وكذلك ما تركته كتبه من تأثير في الأعمال الفقهية المتأخرة، نذكر من ذلك مثلاً أنّ المرحوم ابن ادريس نقل في كتابه السرائر، الشيء الكثير من كتب الشريف المرتضى.

وخلاصة الكلام هي أنّ ما لدينا الآن من تراث فكري، وفقهي وكلامي واصولي تغوص مرتكزاته في الماضي. وهذا مما ينبغي معرفة اهميته. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.