الشريف المرتضى وعدم حجّيّة خبر الواحد في المسائل العامّة البلوى
على الرغم من تعدد مصادر استنباط الاحكام، يبقى الدور الأساسي للسنة التي وصلتنا عن طريق «الاخبار». والخبر بحد ذاته لا يمكن الاستناد إليه ما لم يكن هناك دليل على صحته أو على الاقل دليل على حجيّته. إن قبول وحجيّة الخبر المتواتر تستند كما نعلم على «القطع» الذي يأتي عن التواتر، واما القسم الأساسي والقريب من الاتفاق للاخبار الموجودة ـ على الرغم من التقسيم العام للاخبار إلى «متواتر» و«خبر الواحد» ـ فهو محدود بخبر الواحد الذي لا يعد بحد ذاته مدعاة «للقطع» أو «الاطمئنان» بصدوره. من الممكن طبعاً أن يكون «تعدد نقل» الخبر في الحد الذي يوجد نوعاً من «الاطمئنان النسبي» لصحّة صدوره، وهو ما يُصطلح عليه بتسمية الخبر المستفيض، وهو ما يقرّبه إلى حدّ الخبر المتواتر. واذا كانت هناك قرائن وشواهد خارجية تدل على صحّة النقل يمكن ان تؤدي إلى ايجاد مثل هذا الاطمئنان.
وعلى فرض امكانية قبول وحجية الخبر للحصول على الاطمئنان النسبي فان هذا الامر يتحقق في قسم من الاخبار، وتبقى حجية وقبول معظم الاخبار بحاجة إلى دليل. وكما هو واضح ان حصول الاطمئنان النسبي لدى الافراد وفي حالات مختلفة ليس متساوياً ولا هو على مستوىً واحد، بل هو امر نسبي. ولهذا فقد أصبح البحث حول أنواع واقسام الخبر ودليل حجيّته من أهم القضايا والمباحث التي فرضت نفسها وأضحت موضع اهتمام منذ الادوار الاولى لتبلور المصادر الحديثية والفقهية، وظهرت بشأنه اختلافات جديرة بالنظر، واستطراداً وعندما ما أخذ علم اصول الفقه شكله وصيغته النهائية، انفرد هذا الموضوع بحيّز رئيسي منهز وعلى صعيد آخر فان الدور الحاسم الذي يضطلع به الخبر في القضايا الكلامية، ضاعف من أهميته وأدّى إلى تناول الاصول والمعايير في حجية او عدم حجية الخبر في المصادر الكلامية أيضاً وبالذات في مجال الاستناد إلى الاحاديث والاحتجاج بها.
السؤال الاساسي والعام الذي يُثار في جميع المباحث المتعلّقة بالخبر، ويلقي بضلاله على جميع قضاياه ومباحثه هو حتى لو سلّمنا بالحجيّة الاجمالية للخبر، يبقى هناك سؤال آخر وهو ما مدى ونطاق هذه الحجيّة؟ إن الاجابة عن هذا السؤال هي التي قادت إلى ظهور كل هذه التقسيمات والتفاصيل في ما يخص معرفة الخبر وتقييمه. وفي سياق ذلك فان الخبر المتواتر والخبر الموثوق الذي يكون هناك اطمئنان إلى صحّته بسبب نوعه ومصدر حجيّته، قليلاً ما يكون موضع بحث واختلاف، وانّما تتركّز التساؤلات والرؤى والاختلافات على حجية أو عدم حجيّة خبر الواحد، ونطاقه. وعند القبول بأصل حجية خبر الواحد، يبقى أحد الاسئلة المهمة التي تُثار هنا هو ما هي مجالات المواضيع التي تنطبق عليها حجية هذا الخبر؟ يُفهم مما بيّنه علي بن الحسين المعروف بالشريف المرتضى علم الهدى ان في كتبه عدّة مرّات انه اساساً لا يرى خبر الواحد حجّة، الا اننا نواجه رأياً آخر له في هذا الشأن في كتابه: مسائل الناصريات. هذا الرأي يفصل بين المسائل «العامّة البلوى» و«غير العامّة البلوى» وهذا الفصل لقي مؤيدين من بين الاصوليين والفقهاء الذي جاءوا من بعده، غير أن هذا الفصل لم يتواصل لاحقاً على ما ينبغي.
في هذا البحث، وفي اعقاب تقرير هذه الرؤية للشريف المرتضى وغيره مما سار على رؤيته، نلاحظ انه بالنظر إلى دليل حجيّة خبر الواحد، يبدو هذا الرأي مقبولاً ويصمد أمام النقد، ولا يمكن في المسائل الشرعية العامة البلوى، العمل به، ما لم يحصل اطمئنان بصدور خبر الواحد.
الألفاظ المفتاحية: الشريف المرتضى، خبر الواحد، عامّ البلوى، الناصريات.
* استاذ مشارك في المعهد العالي للعلوم والثقافة الإسلامية.